الذي ينبغي للخطيب فيما يتعلق بخطبة الجمعة أن يكون منشؤها والسعي إليها وطلبها ، إنما هو من باب الإخلاص لله عز وجل والتبليغ للدين ، والدعوة إلى التمسك بالعقيدة الصحيحة والشريعة السمحة ، عملاً بقول الباري جل شأنه : {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ}(25) وقوله سبحانه : { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً}(26) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( بَلّغوا عني ولو آيةً )) (27) . وقوله صلى الله عليه وسلم : (( نضَّر الله (28) امرأً سمع مقالتي فوعاها(29) ثم أداها كما سمعها .... )) الحديث (30) . ولكن هذا العمل لا يتم قبوله بعد الإخلاص لله عز وجل إلا بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فهذان هما شرطا قبول العبادة لقوله تعالى : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }(31) قال الفضيل بن عياض : أي أخلصه وأصوبه ، وقال : " إن العمل إذا خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً . قال : والخالص إذا كان لله عز وجل ، والصواب إذا كان على السنة(32) . اهـ .
روى الإمام أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن بشير بن عقربة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( من قام بخطبته لا يلتمس بها إلا رياءً وسمعةً وقفه – عز وجل – يوم القيامة موقف رياءٍ وسمعةٍ )) (33)
قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير وأحمد ، ورجاله موثقون (34) . اهـ .
وقد جمع أحد الفضلاء شرطي قبول العبادة في قوله :
واعلم بأن الأجر ليس بحاصل
لابد من إخلاصه ونقائه
وكذا متابعة الرسول فإنها
إلا إذا كانت له صفتانِ
وخلوه من سائر الأدران
شرط بحكم نبينا العدنان
والحقيقة أن جملة من الناس يغفلون عن حقيقة المتابعة وأثرها في قبول العمل ، ويظهر هذا جلياً في واقع كثير من الناس من خلال ما يسمع في دعاء بعضهم لبعض حينما يقول أحدهم للآخر : نسأل الله لنا ولك الإخلاص ، أو رزقك الله الإخلاص ، ويندر في مثل الدعاء أن تضاف إليه المتابعة ، بيد أن الأولى أن يقال : نسأل الله لنا ولك الإخلاص والمتابعة .
أو يكتفي بقول: نسأل الله لنا ولك القبول. حيث إن القبول لا يتم إلا بتوفر الأمرين معاً والله الموفق .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(25) سورة آل عمران: الآية187.
(26) سورة الأحزاب : آية 39.
(27) أخرجه من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما البخاري في صحيحه كتاب أحاديث الأنبياء رقم ( 3461 ) ، والترمذي (5/40 رقم 2669 ) والدارمي (1 / 136 ) وأحمد (2/159 ) .
(28) أي ألبسه الله النضرة وهي الحسن وخلوص اللَّون ، فيكون تقديره : أجمله الله وزيَّنة ، أو يكون في معنى : أوصله الله إلى نضرة الجنة وهي نعمتها ونضارتها . ( المحدث الفاصل بين الراوي والوعي للرامهرمزي ص ( 173 )
(29) وعَيْتُ الحديث أعِيه وَعْياً فأنا واعٍ ، إذا حفِظْتُه وفَهِمْتُه ، وفلان أوعى من فلان : أي أحفظ وأفهم ( النهاية ( 5/207 ) .
(30) أخرجه الترمذي في جامعه : العلم (5/ 34 رقم 2658) من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، وأخرجه الخطيب في شرف أصحاب الحديث ص ( 18) بسنده عن عبيدة بن الأسود ، عن القاسم بن الوليد الهمذاني ، عن الحارث ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عبدالله بن مسعود . قال الخطيب بعد ذكر الحديث : حدثني من سمع عبدالغني بن سعيد المصري الحافظ يقول : أصح حديث يروى في هذا الباب حديث عبيدة بن الأسود هذا .
(31) سورة هود: آية7
(32) انظر : جامع العلوم والحكم (1 / 26 ) .
(33) انظر : مسند أحمد (3 / 500) ، المعجم الكبير (2 / 29 ) .