الايثار أدب نبوى ومنهج اسلامى
إذا كانت علاقة الإنسان بخالقه هي العبادة مصداقاً لقوله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات الآية 56)،فالأخلاق الفاضلة كلها داخلة في مفهوم العبادة الحقة، ومن هذه الأخلاق التي شرعها الاسلام الإيثار:وهو أن يجود المرء بما عنده مع الحاجة إليه،وهو أعلى درجات السخاء والمتصفين به هم المفلحون، يقول الله تعالى(والذين تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشرالآية 9 ) فالإيثار خلق من الأخلاق العظيمة،وأدب نبوي وسلوك راق ومنهج حياة تأدب به نبينا صلى الله عليه وسلم فكان من جملة أخلاقه، والتي وصفها الله بقوله ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم الآية 4)
والإيثار دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام، وطريق موصل إلى محبة الله ورضوانه،وتحصل به الألفة والمحبة بين الناس ،ويجلب البركة وينمي الخير.
لذا فإن من أهم مكارم الأخلاق الإتصاف بصفات الإيثار والكرم والتضحية وهو أن تفكر في غيرك وتعمل من أجلهم وتضحي بشيء من مصالحك لمصالح غيرك .فإذا تذكرت أن لك حاجات فتذكر أن لغيرك حاجات وإذا أحسست بأن لك مشاعر فتذكر أن لسواك من الناس مشاعرو يجب ان نشعر بآلام الآخرين وتذكر أن إيمانك لا يكمل إلا بهذا لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لإخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري
فالمسلم كريم جواد ،ويده مبسوطة على إخوانه،وأصدقائه؛ ليوثق عُرى الأخوة بينهم، ويجسد معاني المحبة والتعاطف والتكافل معهم، ويعالج حب الذات والأنا من نفسه، ذلك المسلم الحق الذي ارتوت نفسه من مناهل الإسلام يؤثر على نفسه ولو كان مقلاً و به خصاصة.
فهذا الخلق يعود على صاحبه بالخيرفي الدنيا والآخرة فتجده محبوباً لدى الناس مستجاب الدعوة بإذن الله كما في قصة أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الضحرة فدعو الله بصالح أعمالهم فكان أحدهم يؤثر والديه على نفسه وأولاده كما في الحديث وأصله عند البخاري فانفرجت الصخرة شيئاً
ولو تأملنا النصوص الشرعية لوجدنا أن الله تعالى امتدح هذا الخلق لدى الصفوة المختارة من أنبيائه من لدن نوح عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،في إيثارهم رضا الله سبحانه وتعالى على محبوباتهم، فساروا لله طائعين منقادين _صلوات ربي وسلامه عليهم .
وهؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنصار رضوان الله عليهم يشهد التاريخ الإسلامي بقصصهم الرائعة في الإيثار . فلله در ذلك الجيل الصالح الذي نقتبس من نوره ونقتدي بأخلاقه .
فما أعظم دين الإسلام الذي شرع مكارم الأخلاق لتزداد أخلاق المسلم سمواً وعلواً، ويعيش موصولاً بالله تعالى مشبعاً بروح حب الخير والإيثار.
اللهم اهدنا جميعا الى سبيل الرشاد