فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر..
- العلماء الأجلاء..
- ضيوف مصر الأعزاء..
- الإخوة والأخوات..
نلتقى معا فى رحاب شهر كريم وليلة مباركة.. اصطفى الله من الشهور شهر رمضان.. فيه نصر المسلمين فى ( بدر ).. وفيه أيدنا بنصره على أرض سيناء، واصطفى سبحانه من ليالى رمضان.. ليلة القدر.. فيها أنزل القرآن هدى للناس.. ليخرجهم من الظلمات إلى النور.. وفيها يفرق كل أمر حكيم.
يسعدنى فى هذه المناسبة العطرة.. أن أتوجه بالتهنئة إلى شعب مصر.. وشعوب أمتنا العربية والإسلامية.. وجالياتها فى مشارق الأرض ومغاربها، كما يسعدنى أن أرحب بضيوف مصر من العالمين العربى والإسلامى.. وأن أتوجه بالتحية لرجال الأزهر الشريف.. الذين يحرصون دائما على أن يأتى احتفالنا بهذه الليلة المباركة.. مستلهما لمسيرة ماض عريق.. وموصولا بحاضر الأمة الإسلامية ومستقبلها.
- العلماء الأجلاء..
- الإخوة والأخوات..
تمر بنا ليلة القدر.. فنتمعن فى قضايا الوطن.. وقضايا منطقتنا وأمتنا، نتوقف أمام أحوال عالمنا الإسلامى.. فنواجه مقارنة لا مفر منها.. بين ماضى المسلمين وحاضرهم.. وما يطرحه المستقبل من آمال وتحديات.
تتوالى على عالمنا الإسلامى هجمات شرسة.. تستتر وراء حرية الرأى والتعبير والصحافة.. تشوه صورة الإسلام وتعاليمه.. تتجاسر على مقدساته.. وتغذى المشاعر المعادية للمسلمين وجالياتهم . ومن المؤسف أن ينتقل هذا التطاول على الإسلام من الغرب إلى بلداننا.. بإساءات يرتكبها بعض من أبنائنا.. ما بين طالب شهرة وطالب مال.. يؤذون مشاعرنا.. ويتطاولون على الإسلام عن جهل أو افتراء.
يأتى احتفالنا اليوم.. وعالمنا العربى والإسلامى فى مواجهة أوقات صعبة.. يبدو فيه وكأنه مستهدفا.. فى هويته وأوطانه واستقلال إرداته ومقدرات شعوبه.. ما بين ما يحدث فى أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان والسودان والصومال.. ومخاطر جديدة تتصاعد نذرها بمنطقة الخليج.. تهدد الاستقرار.. وتضع الشرق الأوسط برمته فى مهب الريح.
ستبقى القضية الفلسطينية مفتاح الأمن الإقليمى بمنطقتنا.. والطريق لحل باقى أزماتها وقضاياها . لم يعد من المقبول أو المعقول أن تراوح عملية السلام مكانها.. ما بين تقدم وانحسار.. وانفراج وانتكاس.. فى وقت تستمر فيه معاناة الشعب الفلسطينى.. ما بين قهر الاحتلال وانقاسم قادته وفصائله.
لقد تواصلت جهود مصر لإحياء مفاوضات السلام.. ولإعادة توحيد الصف الفسطينى، وكما أكدت منذ أيام قليلة فى واشنطون.. فإننا عازمون على مواصلة جهودنا.. وصولا لاتفاق سلام عادل ومشرف.. يحقق الأمن للجميع.. ينهى الاحتلال.. يضع الشرق الأوسط على مسار جديد.. ويقيم الدولة الفلسطينية المستقلة.. وعاصمتها القدس الشرقية.. بمسجدها الأقصى وحرمه الشريف.
إننا فى مصر واعون تماما لواقع عالمنا العربى والإسلامى.. ولما يطرحه من تحديات ومخاطر.. إلا أن إيماننا لا يتزعزع فى قدرتنا على مواجهتها والتعامل معها.. دفاعا عن قضايا وطنا وأمتنا.. واثقين فى الله وتأييده ورعايته.. فلقد كان سبحانه معنا وإلى جانبنا فى أوقات الحرب والسلام.
- الإخوة والأخوات..
ستظل مصر الأزهر حصنا حصينا للاسلام.. ورمزا لاعتداله ووسطيته وسماحته، تمضى فى طريقها نحو المستقبل.. حافظة لوحدة أبنائها من المسلمين والأقباط.. موقنة بأن الدين لله والوطن للجميع.. واعية لمخاطر خلط الدين بالسياسة.. راعية لمبادئ المواطنة.. وما ترسيه لكافة أبنائها من حقوق وواجبات.
يمضى شعبنا فى صنع حاضره ومستقبله.. بثقة وعزم ويقين.. نعلم أن قوتنا فى وحدتنا وتماسك مجتمعنا.. ونعى أن تحقيق طموحاتنا رهن بالتفافنا حول ما يجمعنا.. لا ما يفرقنا.
نواصل الإصلاح على كافة محاوره.. من أجل دولة مدنية حديثة ومجتمع ناهض متطور.. نتصدى لقوى الإرهاب والتطرف.. ونصون مصالح الوطن أينما كانت، حققنا معا إنجازات عديدة.. اتسعت معها البنية الأساسية الجاذبة للاستثمار.. ووضعت اقتصادنا على الطريق الصحيح.. أتاحت لنا مواجهة أزمات عالمية حادة بمواردنا الذاتية.. ومكنتنا من الوفاء باحتياجات شعب تضاعف عدد سكانه.. أو يكاد.. خلال السنوات الثلاثين الماضية.
صحيح أننا لا نزال فى مواجهة العديد من الصعاب والمشكلات والتحديات.. لكنها صعاب ومشكلات وتحديات مجتمع تتسع طموحات أبنائه وتطلعاتهم.. عاما بعد عام.. مجتمع يتغير.. شهد – ولا يزال - تحولات عديدة.. وتسابق زيادته السكانية آماله وطموحاته وموارده.
تلقى ضغوط هذه الزيادة السكانية بانعكاساتها على كافة نواحى الحياة.. فى المساكن والمواصلات وخدمات الصحة والتعليم والأسعار وغيرها.. كما تلتهم أولا بأول ثمار ما نحققه من معدلات النمو والتنمية.
إن ما نواجهه من حين لآخر.. من اختناقات فى بعض السلع الغذائية.. ما هو إلا بعض تداعيات هذا الاختلال بين السكان والموارد.. ونحن - كغيرنا من الشعوب النامية - نواجه نسبة كبيرة من دخولنا للإنفاق على الطعام.. وعلينا أن نتذكر معاناة مواطنينا فى طوابير الجمعيات الاستهلاكية خلال سنوات الثمانينات.. حين
كان تعدادنا لا يتجاوز (43) مليون مصرى ومصرية.. كما أن علينا أن نتساءل عما سيكون عليه الحال.. عندما يتجاوز تعدادنا المائة مليون نسمة.. فى غضون بضع سنوات.
الإخوة المواطنون..
لقد دعا الإسلام للتفكر والتدبر وإعمال العقل.. ونحن مقبلون على المزيد من العمل الشاق.. نستعيد به معدلات النمو الاقتصادى المرتفعة.. ونستكمل خلاله توسيع قاعدة العدل الاجتماعى . تظل أولويتنا محاصرة البطالة وإتاحة المزيد من فرص العمل.. ونضع نصب أعيننا مساندة الفقراء والبسطاء والمهمشين.
لقد كان لنا فى رسول الله الأسوة الحسنة.. نستلهم من سيرته العطرة ما يعيننا فى حركتنا
نحو المستقبل.. نعلى قيم الاجتهاد والإخلاص فى العمل.. ويقدم كل منا عطاءه من
أجل الوطن.
أدعو الله فى خشوع هذه الليلة المباركة.. أن يحفظ مصر بلدا آمنا.. وأن
يوفقنا ويسدد خطانا.. إنه نعم المولى ونعم النصير.
كل عام وأنتم بخير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.