حقق الشعب -رغم كل التحديات- كلمته وإرادته.. وصمد رغم كل العقبات التي لم تثنِ عزيمته.. حقق ذلك وقتما تحرر من قيود نفسه أولا.. من قيود خوفه وطمعه.. تحرر من الأفكار الهدامة والفتنة المضللة..
تحرر من كل شيء، ووقف قويا ضد ضعفه.
لأنه أراد أن يحقق شيئا..
وحققه..
ولأن ما حققه شيء غالٍ، ويحمل في طياته الكثير من جواهر القيم النبيلة متشابكة جميعها في عقد اتحاد المسلم والمسيحي.. المواطن والجندي.. الفقير والغني..
فعلينا بكل إصرار ألا نترك تلك الجواهر لكي ينال منها تراب الزمن، ونسجنها مرة أخرى داخل قيود..
قيود خفية، تظهر قوّتها في أنها غير مرئية!
تتسرب إلى داخلك كالأفاعي ناعمة الملمس خبيثة النية.
تتخفى وراء إعلام رمادي اللون، لا تكاد تصل إلى حقيقته من فرط تلوّنه بنوايا أخرى حتى يتلبس عليك الأمر، فيتخفّى داخل فيلم أو كتاب أو رواية أو خواطر، يظهرها أصحابها أنها تنقل صورة الإبداع وهي تخفي حقيقة هدم المبادئ، وتحدث عملية غسيل مخ لكل متلقٍّ لكي يصبح شخصا آخر أسيرا لتلك الأفكار لا يفكّر بحقيقتها، ويترك تأثيرها يتوغّل في نفسه فيقيّده تماما.
مثل إقناعه بفكرة حب مغلّفة بشهوة، وأن العلاقات مفتوحة، وكل فرد لديه الحرية لكي يفعل ما يريد وقتما شاء، وأنه بذلك سيحقق السعادة وسيستطيع أن يحصل على متعته.
غير مدرك أنه بذلك أصبح أسير شهوة وأفكار لن يتمكن بها أن يصل إلى حريته أبدا؛ لأن الحرية لن ينالها سوى عزيز، والعزة لن تكون إلا مع الله، فهو يعدنا بذلك حيث قال: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} [فاطر: 10].
لذا أرجوك حافظ على أغلى شيء عندك؛ على كرامتك وعزتك وحريتك..
حرّر عقلك ولا تجعل فكرة تتسرب إليه دون أن ينقّيها وينظّفها بما يتناسب مع ما يرضي خالقه، خالقه الذي كرّمه وخلق له العقل لكي يفكر ويختار، ولا يكون كغيره من المخلوقات، فقدّرْ هذه الهبة ولا تهملها..
لا تضيّع من ذاكرتك مشهد شباب ورجال التحرير، وهم يحافظون على فتيات بلادهم، فلا يمسوهن بسوء ولا يخدشوهن بنظرة، لا تقضِ على هذا المشهد بمشهد لك وأنت تتلاعب بهن وبنفسك.
لا تنسَ المشاهد الدامية في ميدان التحرير، ولا تسمح لأحد -مهما حدث- أن يتلاعب بأفكارك تجاه أخيك وصديقك وجارك، وتحدث الفتنة.
لا تستخفّ بدماء الشهداء التي سالت وضحّت بقيمة الحياة لأجل بلدك ولأجلك، لتعبث بقيمة هذه الحياة وتضيعها بلا فائدة، بينما بلادك في أمسّ الحاجة إليك وإلى كل مجهودك ووقتك.
لا تستهزئ بمشهد تعاون المواطنين مع القوات المسلحة لتطهير الأرض من الفضلات والمخلفات، ليمر عليك بعض الوقت فتنسى كل شيء وتعود لتلقي أي شيء دون مبالاة من نافذة سيارتك، أو المواصلات، أو وأنت تسير في الشارع.
لا تغفل عن قوة الأبطال الذين وقفوا بقوة لا يخشون فقدان وظائفهم أو حياتهم أو مستقبلهم مقابل كلمة حق، فتعود أنت مرة أخرى إلى ذل لقمة العيش وتنسى أن الرزاق هو الله.
لا تشوه صورة بلدك إذا كنت تعيش في الخارج، أثّرْ في الناس بإيجابياتك، تصرّف دائما بما يرضي الله ويرفع من مكانتك؛ لأنك في النهاية رمز لبلدك، فكيف تريد لهذا الرمز أن يكون؟
ومن هنا على كل فرد منا أن يبدأ هذا العهد الجديد مع نفسه..
فكما جاءت الثورة لتحقق آمال الشعب..
عليه الآن أن يكتب تاريخا مشرفا بإرادته فوق صفحتها البيضاء النقية..
فليمسك كل منا بقلم إمكانياته ليكتب رسالته..
وليفجّر كل منا طاقاته ليبرز إبداعاته، ويحقق دوره على أكمل وجه..
وليحرر نفسه من قيوده الداخلية من ضعف وشهوة وطمع وجبن وكسل وتسويف، حتى تصبح قوته حاجزا دون تمكّن غيره من التحكم فيه بسهولة.