ارتكاب المحرمات لعدم الحياء
الشـيخ عبد الله القرعـاوي
الحمد لله الواحد الأحد، القدوس الصمد، الذي لم يلد ولم يكن له كفوا أحد، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
عباد الله:
اتقوا الله تعالى واشكروه على ما هداكم للإسلام، وجعلكم من أمة خير الأنام، عليه الصلاة والسلام، فقد دلكم على الأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة والصفات النبيلة جاءت تعاليمه وقيَمُه بالأمر في المحافظة على الأخلاق الحسنة في كل أحوال المسلمين صغيرها وكبيرها دقيقها وجليلها أفرادا ومجتمعات وأسرا وجماعات ويكفي للحث على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق رواه البخاري .
قال بعضهم:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همو أو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ومن الأخلاق الحسنة التي حث عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم خلق الحياء فالحياء من الله والحياء من الناس روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعه فإن الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ» متفق عليه.
وعن عمران ابن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» متفق عليه.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه» متفق عليه.
فالحياء أصل الخير والعقل وتركه أصل الشر والجهل فالحياء يدل على كمال وسلم: الحياء لا يأتي إلا بخير متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: «الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» أو قال: «الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ عقل صاحبه فمتى وجد في الإنسان الحياء وجد فيها الخير كله ومتى فارقه الحياء قادته نفسه وشيطانه إلى الهلاك وأورداه موارد الفساد قال بعضهم:
إذا قل ماء الوجه قل حياؤه
حياءك فاحفظها عليك فإنما
فلا خير في وجه إذا قل ماؤه
يدل على وجه الكريم حياؤه
وقال:
إذا لم تخشى عاقبة الليالي
فلا والله ما في العيش خير
يعيش المرء ما استحيا بخير
ولم تستحي فاصنع ما تشاء
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
ويبقى العود ما بقي اللحاء
عباد الله:
من قوي حياؤه صان عرضه ودفن مساوءه ونشر محاسنه وكان ذكره عند الناس محمودا وعند الله مرفوعا، ومن ذهب حياؤه ذهب سروره وظهرت مساوئه ودُفنت محاسنه وكان عند الناس مهانا وعند الله ممقوتا روي في الحديث: «الحياء والإيمان قرنا جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر» رواه الحاكم وصححه.
عباد الله:
وكما يستحي المسلم من الخلق فلا يكشف لهم عورة ولا يقصِّر لهم في حق ولا ولا ينكر لهم معرفا فإن عليه أن يستحي من الخالق سبحانه وتعالى فلا يقصِّر في طاعته ولا في شكر نعمته لما يرى من قدرة الله عليه وعلمه به فالله أحق أن يستحيا منه، ومن استحيا من الله حق الحياء حفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وذكر الموت والبلى، وترك زينة الحياة الدنيا وشكر نعمة الله عليه وأدرك عظمته واطلاعه عليه وإحاطته بعباده وقربها منهم وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، ثم رجع على نفسه فحاسبها على التقصير فلا يراه الله حيث نهاه ولا يفقده حيث أمره.
روى البخاري من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فافعل ما شئت» وفي رواية «فاصنع ما شئت».
عباد الله:
الحياء حصن حصين من الوقوع في المعاصي والمحرمات، فمن ذهب حياؤه ذهبت مروءته، ومن ذهبت مروءته قل إحساسه، فلم يبال في عيب الناس وانتقاصهم.
ورب قبيحة ما حال بيني
فكان هو الدواء لها ولكن
وبين ركوبها إلا الحياء
إذا ذهب الحياء فلا دواء
وما عانت المجتمعات من المحن وانتشرت فيها الإحن وتتابعت عليها الفتن إلا يوم ضاع الحياء، فارتكبت المحرمات وفعلت الرذيلة وأقصيت الفضيلة بدعوى الحضارة والتمدن.
هل ضيعت الصلاة وعطلت أحكام الدين إلا يوم قل الحياء من الله وابتعد الناس عن الدين؟
وهل تساهل الناس بصلاة الجماعة إلا يوم قل الحياء، قال صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له إلا من عذر».
وهل وقع في المعصية ما وقع إلا يوم قل حياؤه من الله فاستهان به سبحانه حتى جعله أهون الناظرين إليه.
وهل ظهر الاختلاط بين الرجال والنساء، وانتشرت المعاكسات وعم الفساد، إلا حين كسرت المرأة حجابها ودفقت ماء حيائها وضاع من وجهها العفاف وخرجت إلى المنتزهات وتسكعت في الأسواق والطرقات، وأغرت ضعاف النفوس وعديمي الحياء والمروءة وأدمت قلوبهم فوقعوا في الجرائم والفواحش.
وهل فقدت الغيرة من الرجال فسمحوا لنسائهم من مشاهدة الأفلام الماجنة والمسلسلات الخليعة والوقوع في المحرمات من اختلاط بالخدم والباعة والخروج مع السائقين والسفلة إلا حين ضاع منهم الحياء وفشا فيهم ذهاب الغيرة.
عباد الله:
أين الحياء ممن شغفوا بالأغاني الماجنة ومزامير الشيطان؟ فأزعجوا بها الناس في طرقاتهم ومنازلهم.
بل وأين الحياء ممن ضيعوا أبناءهم في الشوارع؟ يخالطون قرناء السوء ويصاحبون ذوي الأخلاق الرديئة.
وأين الحياء من المدخن الذي ينفث الدخان من فمه في وجوه جلسائه ومن حوله؟ دون مبالاة بشعورهم.
وأين الحياء من الموظف الذي يستهتر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه ويتعامل مع المراجعين بكل صلف ورعونة؟.
وأين الحياء من التاجر؟ الذي يخدع الناس ويغش في السلع ويكذب في المعاملة
إن الذي حمل هؤلاء وغيرهم على النزول إلى هذه المستويات الهابطة مع الأخلاق والتعاون هو ذهاب الحياء وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت.
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتما وعويلا
اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
عباد الله:
اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا أن طاعته أقوم وأقوى، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واحذروا أسباب سخط الجبار فإن أجسامكم على النار لا تقوى، واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وعليكم الجماعة لأن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار.
ثم اعلموا أنكم غدا بين يدي الله موقوف، وبأعمالكم مجزيون، وعن أفعالكم محاسبون وعلى تفرطكم وإهمالكم نادمون، -(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)- [الشعراء/227].
عباد الله:
-(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)- [الأحزاب/56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنِّك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين
اللهم وآمنا في دورنا وأوطاننا، وأصلح ووفق ولاة أمورنا، اللهم وأصلح قلوبهم وأعمالهم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر لنا، ولآبائنا ولأمهاتنا، ولأولادنا ولأزواجنا، ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
-(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ*وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)- [الصافات/180-182].
منقول للافادة0
[b]