يبدو أن موضوع الخدمة الاجتماعية المدرسية وخصوصيتها لازال يثير لدى البعض خلطاً مفاهيمياً، وهو أمر مرتبط بكون أن مفهوم الخدمة الاجتماعية المدرسية عصى على فهم أصحاب النظرية التقليدية في التربية فهو يحتاج حتى من قبل المتخصصين في قطاعات علم الاجتماع التطبيقي وعلم الاجتماع النفسي والخدمة الاجتماعية الى جهد مضنٍ للحصول على فهم متواضع حتى يمكن استخدامه بيسر وبطريقة مقبولة.
ومن خلال التعامل المباشر مع المؤسسة التعليمية التي ينتظم بها أبناؤنا، وفي حوار مع نخبة من المعنيين بمعالجة مشكلات التفاعل التي تحدث بين الطلاب من خلال علاقاتهم بزملائهم أو مع الإدارة أو المعلم الأول. ويتبادر لنا سؤال: أليس لوكيل المدرسة عمله الإداري والفني الذي يستغرق وقته؟ أليس للمعلم الأول مهنته التي تخصص فيها أكاديمياً ومارسها عملياً؟ وكيف لهم أن يعالجوا مشكلات تنتمي لعوامل اجتماعية وترتبط بخصائص نفسية وتحتاج لمهارات في البحث الاجتماعي ومهارات في المقابلات وفنيات في استجلاء الأمور ومعرفة ما يرتبط منها بالذات الواعية أو ما ينحو منها للاوعي أو ما يشوب ديناميات الجماعة والتوجه نحو الآخر وعلاقته بما يصدر عن الخيارات الأخلاقية والقيمية؟ لماذا لم نقتنع بعد باسناد العملية للاختصاصيين فيها وهم كثر تخرجهم الكليات المتخصصة فلكل دوره المنوط به.
إن خلط الأدوار قد يدفع عن غير قصد لاضطراب النظام داخل المؤسسة التعليمية مما يؤثر في توازن معطيات الإدارة المدرسية، وهذا يختلف عن اضطراب العلاقة القائمة بين المشكلات السلوكية ونواتج العملية التعليمية وما يكتنفها من صعوبات نظرا لأن طبيعة المشكلات السلوكية ذات أثر بالغ في حجم وكيفية الانتقال التراكمي في مستويات وإمكانات التحصيل العلمي المزدحم بالأفكار والحقائق والمعلومات التي تحتاج لصفاء الذهن، وسوء السلوك، والتفاعل المتوافق مع واقع الحياة الاجتماعية في محيط المدرسة وفي طبيعتها العامة ذات الصلة بكل المجالات.
وهذا يدعو لأن يتحمل الاختصاصيون الاجتماعيون مسؤولياتهم في تناول المشكلات السلوكية بالمعالجة المنهجية العلمية والتي سبق لهم أن تعلموها ومارسوا العمل وفقا لمبادئها وفنياتها الى أن اكتسبوا المهارات فيها.. ونقول ذلك في الوقت الذي لا تخلو فيه مدرسة من وجود الاخصائي الاجتماعي أو النفسي، الا ان الملاحظ أن إدارة المدرسة في تحولٍ من الاستفادة من امكاناته الفنية وباتت تكلفه بأعمال روتينية غاية في الرتابة، وهذا راجع لعدة عوامل، نذكر البعض منها على سبيل المثال ان ثقافتنا الاجتماعية ما زالت تتحسب إزاء الدور الفني الموضوعي للأخصائي الاجتماعي أو النفسي تخوفا من إطلاعه على ما يعد سرا يجب ان يتم مداراته وعدم الرغبة في البوح به خشية تسربه أو تعريته أو افتضاحه خروجا على مبدأ «سرية المعلومات» خاصة اذا كان يمس الآخر العائلي، فيتم التحوط من الدخول في تفاصيله وتشعباته، من هذا المنطلق يتعلم اكثرنا وبطريقة تكاد تكون لا شعورية ألا نبوح بأسرارنا أمام أحد، ولا نقتنع بإمكانية تجاوز هذه الأسرار لما وراء ذواتنا فهذا الأمر ربما يجعل الأخصائي في محاولة للوصول الى مكنونه وتعرف مسببات وعوامل المشكلة الاجتماعية وهذا الامر يثير لدى الطالب وولي الأمر حتى المسؤولين عنه حساسية خاصة لماذا؟ لأن السواد الأعظم منا لا يعرف الا القليل عن حقيقة دور الخدمة الاجتماعية في المجال السلوكي في الوقت الذي تعتبره المجتمعات المتقدمة دوراً مهما للغاية وأنه ضروري
لتخفيف عبء الواقع المعاصر شديد التعقيد، حيث ان هذا الدور ذو مردود فعال لتناوله موضوعات ذات أثر في منظومة حياتنا الاجتماعية، ولكن يؤثر البعض لدينا أن تظل هذه الحياة يكتنفها الغموض في خصوصيتها، وفي نطاق المؤسسة التعليمية يصير الأمر مدعاة لإفراز بيئة غير مواتية للتعليم وبلوغ غاياته إذ لم تحل صعوباته، الا أنه لازال لدى الإدارة المدرسية يعتبر هذا الدور زائداً على الحاجة وعبئا على العمل المدرسي والمحصلة النهائية لهذا الدور انه يصبح في منزلة أدنى في مجمل النشاط المدرسي، وعلى الرغم من ذلك فها نحن الأخصائيين الاجتماعيين نجاهد في هذا الميدان بفعل كرامة المهنة، والتحصن بمبادئها وفنياتها، ونأبى التراجع عن اهتماماتها ونسعى من أجل تذليل صعوباتها حرصا منا على عدم اتساع الهوة بين المؤسسة التعليمية كنسق متوازن في البقاء الاجتماعي، وبين الطالب باعتباره عضوا فاعلا في النسق، ومكونا أساسا في البناء حتى لا يكتسب معياراً يدفع به للانفصال عما هو جماعي ودينامي ومتوازن.
وحقا لا يخالجني الشك مثل الكثيرين غيري من أولياء الأمور أن ثمة ميزة في تفعيل دور الخدمة الاجتماعية والنفسية في تعديل السلوك وتهذيب النفوس وتعميق القدرة على التفاعل السوي مع الآخرين وظني ان معظم القائمين على شؤون المؤسسة التعليمية في الواقع المعاصر ينظرون ملياً للنهوض بإمكانات هذه المهنة، حيث لا خيار آخر أمامهم سوى إسنادها للاختصاصيين. وحينئذ من الممكن أن نعيد دور الأخصائي الاجتماعي والسعي في حل مشكلات الطلاب تلك التي يواجهونها في حياتهم اليومية بشكل مرضٍ ومقبول، إن هذا الدور نعلق عليه رجاءنا في بناء الشخصية السوية إذا راعينا هذا الدور الرعاية الصحيحة السليمة، وإذا اجتهدنا الجهد الطيب في تفعيله بطريقة منظمة ودقيقة، وإذا صقلنا سلوك إنجاز الدور واستجبنا لتوجهاته التي تتعلق بتقويم حياة الطالب العلمية والشخصية والاجتماعية.
إن في هذا الدور أكثر من ذلك بكثير ففيه رعاية أبنائنا وهم أملنا في أن يكونوا طليعة هذا الوطن في الرقي والتقدم وتضرع الى الله تعالى أن يكلأهم بعنايته وتوفيقه ورحمته وحمايته وعونه.
مع ملاحظة أن ما يتعرض له الطالب من مشكلات ذات صلة وثيقة بمطالب النمو وبخبرات الممارسة اليومية في معترك الحياة الزاخرة بالمتناقضات أو بتلك الخبرات الشخصية اللصيقة بالآخر وهموم الآخر أو بما مضى من خبرات سابقة غير محدودة، أو بالعواطف المكبوته وما شاكل ذلك، حينئذ تكون الخدمة الاجتماعية المدرسية قد قدمت لنا شيئا جديرا بالاحترام نفخر به وتفخر به هذه الأجيال الواعدة.